الدوري الممتاز2015م

الدوري الممتاز2015م
الاسبوع الخامس

الأربعاء، 11 فبراير 2015

منى عبد الفتاح : أيام بلا "جوّال"

منى عبد الفتاح : أيام بلا "جوّال"

منذ أن أجرى «مارتن كوبر» الباحث في شركة موتورولا للاتصالات في شيكاجو، أول مكالمة بأول خلوي محمول في 3 أبريل 1973، وهواجس تسارع الزمن وتكثفه لا تفارق حياة الناس وتفكيرهم في هذه الوسيلة القادمة بسرعة الصاروخ.
طفت مفردة «الجوّال» العربية الفصيحة، إلى السطح في العشر سنوات الأخيرة وأيقظتها التكنولوجيا الحديثة من سابع نومة، فقد نعمت الكلمة بهدوء لم يوقظها منه إلا صخب العرب واحتفاؤهم المبالغ فيه بجهاز الهاتف الجوال.
وخلال العشرية الأخيرة وإلى الآن لم تتوقف الدراسات التي تؤكد الضرر المباشر للجوال بسبب التعرض بشكل كبير لذبذبات البثّ أو وضع الهاتف نفسه بجانب قلب الإنسان مما قد يضر بصحته، وأحياناً يؤدي إلى حدوث أعطال بأجهزة تنظيم ضربات القلب. وزاد الأمر خطورة بالوصول إلى أنّ المعادن الثقيلة التي تستخدم في صناعة هذه الأجهزة وإعادة معالجتها وتدويرها للاستفادة منها في أشياء أخرى، تسبب أضراراً إضافية للبيئة. ولئن كان الضرر الصحي الجسدي كبيراً فإنّ هناك ضررا نفسيا آخر ظهر بارتباط هذه الأجهزة الذكية منها بشبكة الانترنت، لما يمثله من إدمان ومتاعب أخرى ترتبط بالإحباط وصدمات التناوب بين العالمين الواقعي والافتراضي.
كل ذلك دعا منظمة الأمم المتحدة لتحديد أيام 6، 7، 8 فبراير ليستغني البشر عن جوالاتهم موقتاً لما لها من آثار سيئة على البيئة. وهذه الأيام المحددة هي لتدارك الآثار السالبة للهواتف المحمولة، مع الاعتراف بما قدمته كتكنولوجيا متطورة من تسهيلات في شتى ضروب الحياة من توصيل للمعلومة وتواصل اجتماعي وإعلامي مؤثّر.
حلّل المفكر والفيلسوف الفرنسي بول فيريليو الذي قام بدراسة الواقع الافتراضي، في كتابه «تحرر الساعة» كيف أنّ هذه التكنولوجيا أصبحت تخترق أجسادنا وتنظم علاقاتنا بالآخرين لدرجة سلبت إرادة الإنسان وخدّرت إدراكه وجعلته مستقبِلاً وليس فاعلاً، ودعا إلى التحرر من كل ذلك بتشكيل إيكولوجيا رمادية، أو منطقة وسطى بين الاثنين.
ولا يخضع مقتنو هذا الجهاز المتطور يوماً عن يوم، لظروفهم الاقتصادية الخاصة، لدرجة أنّ الفقراء في مناطق كثيرة من العالم يصورون عوزهم وأحوالهم بأجهزتهم الذكية وينشرونها على مواقع التواصل الاجتماعي بينما لا يجدون قوت يومهم. ومن تحت نيران القصف، وعندما تعجز وكالات الأنباء والقنوات الفضائية من الدخول إلى مناطق الشدة، تعمل هذه الأجهزة عوضاً عنها.
شدني قبل مدة مشهد راعي أغنام في إحدى القرى الأفريقية في موسم خريفيّ مخضر. وبينما يهشُّ على أغنامه بيد، يمسك بالأخرى أحدث الأجهزة الذكية مندمجاً في حديث احترت في التكهن بمحتواه ورحت أسائل نفسي إن كان يتحدّث مع المنظمة العالمية لحماية البيئة بأن أغنامه ستقضي على حشائش الخريف الموسمية مما يفقد البيئة جمالها ويطالبهم بممارسة ضغوط على الحكومة لإيجاد حلول بديلة. أم أنّه يحدّث جمعية الرفق بالحيوان ويخبرها بأنّ هناك كثيرا من أكياس النايلون المبعثرة على الطرقات ولم تستثن حتى هذه المساحات الخضراء وهي بالطبع تفسد على أغنامه بهجة السياحة في هذه الأرض الشاسعة.
وهكذا فإنّ الجوال ليس مؤشراً لوضع اقتصادي أو عمر معين، فيتساوى في اقتنائه الغني والفقير، الكبير والصغير يتنافسون على آخر إصداراته. ولا تنته العملية عند البعض عند لزومه فيما يلزم من تأدية خدمة أو تسهيل أداء واجب رسمي أو اجتماعي أو قضاء أي أمر بسرعة اختصاراً للجهد والزمن، بل تعداه إلى أغراض الترفيه والمسامرة بل الإدمان عليها، لدرجة أنّ أحدهم يمكن أن يفتقده ويبدأ بالبحث عنه أثناء حديثه به.
هناك أمل في الالتزام باليوم العالمي بدون جوّال خاصة أنّ بعض النُزل السياحية بدأت في تطبيقه ووجدت قبولاً كبيراً. تستقبل هذه الفنادق المهيأة لهذا الغرض، السياح للعيش حياة تقليدية في أغلب تفاصيلها، أساسها عدم وجود كهرباء أو هواتف محمولة، مما يجعل منها ملجأ مناسباً لهؤلاء الذين يبحثون عن حياة طبيعية، يقضون فيها لياليهم على ضوء الشموع ودون رنات الهاتف، وتنبيهاته.

0 التعليقات:

إرسال تعليق